التواضع
والبَسَاطَة في حياة سيّد السّادة
لقد تواضع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يدَع لمتواضِع قولاً ، ولم يترك لِمُتَكَبِّر
حجة .
فهو عليه
الصلاة والسلام المؤيّد بالوحي ، وهو خليل الرحمن ، وهو من أُسري به من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عُرِج به إلى السماوات العُلى ، وهو عليه الصلاة
والسلام سيد ولد آدم ، بل هو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك كان يتواضع
لله فَرَفَعه الله عز وجل .
كان يأكل
الطعام ويمشي في الأسواق
فقد كان
النبي صلى الله عليه
وسلم يأتي السوق ، ويُمازحُ أصحابه ، وكان رجل من أهل البادية اسمه زاهر ، كان يهدي
للنبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية ، فيجهزَه رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم إذا أراد أن يخرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن زاهراً باديتنا ونحن
حاضرته ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ، وكان رجلا دميما ، فأتاه النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفـه ، فقال لـه : من هذا ؟ أرسلني ،
والتفت ، فعرف النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول :
من يشتري مني هذا العبد ؟ وجعل هو يلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول :
إذا تجدني كاسداً ، فقال لـه النبي صلى الله عليه وسلم : لكنك عند الله لست بكاسد .
رواه الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح .
ويُمازِح
أصحابه ، وينام معهم
روى
الإمام مسلم عن المقداد رضي الله عنه قال : أقبلت أنا وصاحبان لي ، وقد ذهبت
أسماعنا وأبصارنا من الْجَهْد ، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فليس
أحد منهم يقبلنا ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق
بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنـز ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
احتلبوا
هذا اللبن بيننا .
قال :
فكنا نحتلب فيشرب كل إنسان منا نصيبه ، ونرفع للنبي صلى الله
عليه وسلم نصيبه
قال :
فيجيء من الليل فيسلم تسليما لا يُوقظ نائما ويُسمع اليقظان
.
قال :
ثم يأتي المسجد فيُصلي ، ثم يأتي شرابه فيشرب ، فأتاني الشيطان ذات ليلة وقد شربت
نصيبي ، فقال : محمد يأتي الأنصار فيتحفونه ، ويصيب عندهم ما به حاجة إلى
هذه الجرعة !
فأتيتها فشربتها فلما أن وَغلت في بطني وعلمت
أنه ليس إليها سبيل ، ندمني الشيطان ! فقال : ويحك ما صنعت ؟ أشربت شراب محمد ؟
فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك ، فتذهب دنياك وأخرتك ، وعَلَيّ شملة إذا وضعتها
على قدمي خرج رأسي ، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي ، وجعل لا يجيئني النوم ، وأما
صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت .
قال :
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
فسلّم
كما كان يسلم ، ثم أتى المسجد فصلى ، ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئا ،
فرفع رأسه إلى السماء ، فقلت : الآن يدعو عَلَيّ فأهلك ، فقال : اللهم أطعم من
أطعمني وأسق من أسقاني .
قال :
فعمدت إلى الشملة فشددتها عليّ ، وأخذت الشفرة فانطلقت
إلى الأعنـز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فإذا
هي حافلة وإذا هن حُفل كلهن ، فعمدت إلى إناء لآل محمد صلى الله عليه
وسلم ما
كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه ، قال : فحلبت فيه حتى عَلَته رغوة ، فجئت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال
: أشربتم شرابكم الليلة ؟
قال :
قلت : يا رسول الله اشرب ، فشرِب ، ثم ناولني فقلت: يا رسول الله اشرب ، فشرِب ، ثم ناولني فلما
عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم
قد
روى وأصبت دعوته ضَحِكْتُ حتى ألقيت إلى الأرض .
قال :
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
إحدى
سوآتك يا مقداد !
فقلت :
يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا ، وفعلت كذا ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم
:
ما هذه إلا رحمة من الله ، أفلا كنت
آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها ؟
قال :
فقلت : والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من
الناس
.
فأي تواضع
تكتنفه عَظَمة هذا النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ؟
يُغضي
حياءً ويُغضى من مَهَابتِه *** فلا يُكلّم إلا حين
يبتسمُ
النبي صلى
الله عليه وسلم يبيت مع أصحابه وهو قائد الأمـة ، بل ويقتسمون اللبن بينهم بالسّوية
!
واليوم نرى
من ينتسب إلى العلم أو إلى المناصب الدنيوية لا يُكلِّمون الناس إلا من أطراف
أنوفهم!
وربما لا
يردّون السلام خشية أن تذهب الهيبة !
نبي الله
يُسابِق أصحابه رضي الله
عنهم
روى
البخاري ومسلم عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابَقَ
بين الخيل التي أُضمرت من الحفياء ، وأمدها ثنية الوداع ، وسابَقَ بين الخيل التي
لم تُضمر
من
الثنية إلى مسجد بني زريق .
وروى
البخاري عن أنس قال : كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
تُسمى
العضباء وكانت لا تسبق ، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها ، فاشتدّ ذلك على المسلمين
، وقالوا : سُبِقَت
العضباء ،
فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :
إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه
.