وهذه أدلة
عقلية تُخاطِب العقول إن كانت
تَعِي !
كيف
يُمكِّن الله لمن كَذَب عليه ؟
وكيف يَنصر
الله من زَعم أن الله أرسله ؟
( أي : لو
كان كاذبا على الله لَقَصَمه ولم يُمكِّن له ولم يَنصره
)
فإن
سُـنّـة الله أنه يأخذ الظالم أخذ عزيز مُقتَدر ، وأنه يُملي للظالِم فإذا أخذه لم
يُفلِتْه
والله لا
يُحب الظالمين ، ولا يُحب الكاذِبين ، ولا يُصلِح أعمال المفسِدِين ، قال تعالى :
(إِنَّ
اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)
[يونس:81]
.
وقد نصر
الله نبيَّـه مُحمدا صلى الله عليه وسلم ، وأظهر صدقه ، وأيّـده على أعدائه ،
ونَصَره عليهم ، حتى طأطأت أمامه رؤوس الجبابرة ، وخضعت له صناديد قريش ، وبَلَغتْ
دعوته المشارق والمغارِب ، واعترف بِصدقه القريب والبعيد ، والعدو الْمُحارِب
.
وقد صدّقه
أهل الكتاب ، وعرفوه بصفاته المذكورة في كُتبهم .
روى
البخاري من طريق عطاء بن يسار قال : لَقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما قلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجل
والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صِفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا وحِرزا للأميين ، أنت
عبدي ورسولي ، سَمّيتُك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سَخّاب في الأسواق ، ولا
يَدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء
بأن يقولوا لا إله إلا الله ، ويفتح بها أعينا عُميا ، وآذانا صُما ، وقلوبا غُلفا
.
ومِن هنا
فإننا نُخاطِب العقول التي تَعِي أن تتأمل في حياة ذلك الرجل العظيم ، الذي شهِد
بنبوته كل مُنصِف من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام الذي كان يَهوديا فأسلَم لما
رأى وجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : قدم رسول الله
صلى
الله عليه وسلم فجئتُ في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتّ وجه رسول الله
صلى
الله عليه وسلم عَرَفْتُ أن وجهه ليس بوجه
كذّاب . رواه الإمام أحمد
والترمذي وابن ماجه .
وهو الذي
قال الله في شأنه : ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي
إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولذا ذهب غير
واحد من المفسِّرين إلى أن المقصود بالآية هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه
.
فهو قد شهد
شهادة الحق ، وأخبر أن صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة
.
وقصة
إسلامه في صحيح البخاري .
وشهِد كذلك
هرقل ( رئيس النصارى في زمانه ) بصدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
.
فإنه لما
جاء كتاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى هرقل – عظيم الرُّوم – لم يَقُل : هذه
رسالة خاصة بالعرب ، ولا بالأعراب ، كما لم يَقُل : هذا غير صادق ، وإنما قال لأبي
سفيان – وكان أبو سفيان آنذاك مُشرِكاً – : فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي
هاتين ، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه
لتجشّمتُ لقاءه ، ولو كُنْتُ عنده لَغَسَلْتُ عن قَدَمِـه . رواه البخاري ومسلم
.
وآمن به
ملِك الحبشة ( النجاشي ) ، وقال عن القرآن – وقد سَمِع آيات من سورة مريم – فبكى
حتى أخضل لحيته ، وبَكَتْ أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تُلْيَ عليهم ،
ثم قال النجاشي : إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة . رواه
الإمام أحمد .
كما شهِد
بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير واحد من اليهود ، مع أنهم لم يُؤمِنوا به
إلا أنهم اعترفوا أنه هو الذي ذُكِر ووُصِف في التوراة .
يهود يشهدون بنبوة نبينا صلى الله عليه
وسلم
شهِدت
اليهود بصدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
.
قال الله عز وجل : ( وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ )
وعن أنس رضي الله عنه قال
: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى
الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه
النبي صلى الله عليه وسلم
يعوده فقعد عند
رأسه فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع
أبا القاسم
صلى الله عليه وسلم ، فأسْلَمَ ، فخرج
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد
لله الذي أنقذه من النار . رواه البخاري
.
فهذا اليهودي أمـر ابنه أن
يُطيع أبا القاسم ، مما يدلّ على أنه يعلم في قرارة نفسه بصدق نبوة النبي صلى الله
عليه وسلم .
وحدّث سلمة بن سلامة بن
وقش - وكان من أصحاب بدر - قال : كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا
يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى
الله عليه وسلم بيسير فوقف على
مجلس عبد الأشهل . قال سلمة : وأنا يومئذ أحْدَث من فيه سِناً على بردة مضطجعا فيها
بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك لقوم
أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أنّ بعثاً كائن بعد الموت ، فقالوا له : ويحك يا فلان
ترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يُجزون فيها
بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به لودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في
الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا
له : ويحك وما آية ذلك ؟ قال : نبي يُبعث من نحو هذه البلاد ، وأشار بيده نحو مكة
واليمن . قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلـيّ وأنا من أحدثهم سناً ، فقال : إن
يستنفد هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث
الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا
، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً ، فقلنا : ويلك يا فلان ! ألست بالذي قلت لنا فيه
ما قلت ؟ قال : بلى ، وليس به !
وحدّثت
صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم
ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو
ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين
ساقطين يمشيان الهوينا . قالت :
فهششت إليهما كما كنت
أصنع ، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت
:وسمعت عمي
أبا
ياسر وهو
يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهـو هـو ؟ قال : نعم والله ! قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال
: نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة
فيما ذكره ابن هشام .
ها هم
اليهود يشهدون بنبوة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك جحدوا بها
.
( فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) .
ولذا قال
عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي
عشرة من اليهود ،
لآمن بي اليهود .
رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : لو تابعني عشرة من اليهود ،
لم
يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم .
اللهم صل
وسلم وزد وبارك على عبدك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
.